هام جدا

أفضل مقالة فلسفية جدلية حول هل يمكن الفصل بين اللغة والفكر؟

أفضل مقالة فلسفية جدلية حول هل يمكن الفصل بين اللغة والفكر؟





هل يمكن الفصل بين اللغة والفكر مقالة فلسفية جاهزة للسنة الثالثة ثانوي آداب ولغات
مقالة فلسفية حول علاقة اللغة بالفكر




إن هذا الموضوع عبارة عن مقالة فلسفية جدلية جاهزة، حول مشكلة العلاقة بين اللغة والفكر، وهي عبارة عن إجابة عن السؤال الرئيسي التالي: هل يمكن الفصل بين اللغة والفكر؟، وللإشارة أن هذه المقالة يمكن اعتمادها من طرف تلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة لغات أجنبية، وتلاميذ السنة ثالثة ثانوي شعبة أداب وفلسفة، وقد حاولنا من خلال هذه المقالة الفلسفية بالطريقة الجدلية أن نطرح المشكلة، ذلك ما قمنا به في مقدمة المقالة، بعنوان اللغة والفكر بين الإتصال والانفصال، ثم قدمنا منطق الأطروحة، ومضمونه أن العلاقة بين الفكر واللغة هي علاقة انفصال، ثم عملنا على تقديم نقد لهذه الأطروحة، وبعدها ثطرقنا لنقيض الأطروحة وهو أن العلاقة بين الفكر واللغة هي علاقة اتصال، ثم قدمنا نقدا لذلك، وبعدها ختمنا بتركيب ورأي شخصي وحل للمشكلة.

محتويات الموضوع

  1. اللغة والفكر بيت الإتصال والإنفصال (طرح المشكلة).
  2. العلاقة بين الفكر واللغة علاقة انفصال (منطق الأطروحة).
  3. نقد فكرة أن الانفصال بين اللغة والفكر.
  4. العلاقة بين الفكر واللغة علاقة اتصال (نقيض الأطروحة).
  5. نقد فكرة الاتصال بين الفكر واللغة.
  6. التركيب.
  7. حل المشكلة.



اللغة والفكر بيت الإتصال والإنفصال (طرح المشكلة)

تمثل اللغة نظاما من الرموز الوضعية الاصطلاحية التي أبدعها الإنسان للتواصل مع غيره والتفاهم معه والتعبير عن أفكاره، في حين يعتبر التفكير نشاطا ذهنيا يقوم على المعاني والتصورات، ويتخذها كأدوات للتحليل والتركيب والتفسير، وقد احتل البحث في العلاقة بين اللغة الفكر مكانة مرموقة في الدراسات اللسانية الحديثة، لذلك كانت محطة اهتمام العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء اللغة كمشكلة لغوية أساسية، مما نتج عنه تباين واختلاف على مستوى المواقف والتصورات، خاصة فيما يتعلق بمشكلة العلاقة بينهما، إذ يرى بعضهم بأن الفكر واللغة يشكلان وحدة عضوية، بمعنى أن هناك اتصال بينهما، بحيث لا يمكن تصور أحدهما دون الآخر، ومنهم من يعتقد بأن اللغة عاجزة عن استيعاب كل أفكارنا، وأن العلاقة بينهما انفصالية، وهذا التباين هو الذي يمنح المشروعية للتساؤلات التالية : هل علاقة اللغة بالفكر هي علاقة انفصال أم علاقة اتصال؟ وبعبارة أخرى هل الفكر متميز ومنفصل عن اللغة أم هما عملية عضوية واحدة؟.






العلاقة بين الفكر واللغة علاقة انفصال (منطق الأطروحة)

إن العلاقة بين الفكر واللغة هي علاقة انفصال وتمايز، وذلك ما نجده عند أصحاب الإتجاه الثنائي (الحدسي) وعلى راسهم الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، فلا يوجد تناسب بين عالم الأفكار وعالم الألفاظ، فما يملكه الفرد من أفكار ومعاني يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات، وهذا معناه أن اللغة لا تستطيع أن تستوعب الفكر أو تحتويه، وبالتالي فهي عاجزة عن التبليغ أو التعبير عن هذا يوجد لدينا من أفكار، وللدفاع عن تصورهم اعتمد أصحاب هذا الإتجاه على العديد من الحجج والبراهين والتي نذكر منها الحجج الآتية:

قد أشار الفيسلوف اليوناني أفلاطون قديما إلى أسبقية الفكر عن اللغة، ذلك أن الأفكار في نظره، مصدرها عالم المثل، في حين تنتمي الألفاظ إلى العالم المحسوس، وبما أن العالم الأول أفضل من العالم الثاني، فإن الفكر أوسع من اللغة، ويرى رونيه ديكارت بأن اللغة والفكر من طبيعتين مختلفتين، فاللغة ذات طابع مادي حسي، أما الفكر فهو ذو طابع روحي، أم آرثر شوبنهاور فيقول في هذا الصدد: "إن الأفكار تموت لحظة تجسيدها في الكلمات"، ويعني بذلك أن الفكر حيوي واللغة جامدة إلى درجة تموت فيها الأفكار، بينما يقول الجاحظ "إن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، إن المعاني مبسوطة إلى غير نهاية وأسماء المعاني محدودة ومعدودة"، أما أبو حيان التوحيدي فيقول "ليس في قوة الفكر أن تملك المعاني" وهذا ما نجده أيضا عند الفرنسي هنري برغسون الذي يقول" أعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا" ويقول أيضا" اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر"، وهكذا فتطور المعاني أسرع من تطور الألفاظ.

الحجة 1: إن الإنسان يفكر بعقله قبل أن يعبر بلسانه، وبالتالي فالفكر سابق أو متقدم عن اللغة، فالمرء يفكر ثميبحث عن الكلمات المناسبة ليعبر عن أفكاره، والدليل على ذلك هو أنه كثيرا ما يتردد الكاتب أو المتكلم أثناء الكتابة أو الكلام، باحثا عن العبارات المناسبة، فلو كانت الأفكار هي ذاتها الكلمات لما تردد الإنسان في التعبير، وصحح ما قاله أو ما كتبه، فالتجربة الذاتية التي يعيشها كل إنسان تكشف أنه كثيرا ما يشعر بسيل من الخواطر والأفكار تتزاحم في ذهنه، لكنه يعجز عن التعبير عنها، لأنه لا يجد إلا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيانها، وعلى هذا الأساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا تاما وكاملا.



الحجة 2: إن ماهية الفكر فردية وذاتية، وهو تلقائي وحر وغير خاضع لقواعد نحوية وصرفية، كما أنه فيض من المعاني والتصورات المتصلة، يتميز بالديمومة والتجدد، فهو لا يتوقف عن الجريان وغير محدود، كنهر هيراقليطس، أما اللغة فهي ظاهرة اجتماعية وموضوعية عبارة عن كلمات وألفاظ منفصلة ساكنة محددة الإشارات، وعندئد فوضع الأفكار في قوالب لغوية جاهزة يفقدها حيويتها وأصالتها، بل إن الكلمات تعيق تطور الأفكار وتشوهها لذا قيل: "الألفاظ قبور المعاني"، ويقول لامارتين في هذا الصدد: " إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تهوى في داخلها النيران".

الحجة 3: ثم إن اللغة وضعت أصلا للتعبير عن ما اتفق عليه أفراد المجتمع بهدف تحقيق التواصل وتبادل المنافع، فهي لا تعبر إلا على ما تعارف عليه الناس (أي الناحية الاجتماعية للفكر)، ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها، لذلك كانت اللغة عاجزة عن نقل مشاعرنا وأحاسيسنا للآخرين، وهذا الأمر لا يرجع حسب الفرنسي هنري برغسون إلى قصور الفكر، بل بالعكس يكمن في اللغة، فهي لا تعطي المعنى الكامل للفكر، ولذلك قال الشاعر بول فاليري" أجمل الأفكار هي تلك التي لا تستطيع التعبير عنها"، فالفكرة ترتبط بالشعور، وهي تحمل كل مضامينه ومعانيه العميقة من انفعالات وعواطف، كالحزن والسعادة والحب، وعندما يريد المرء التعبير عنها وإبلاغها للآخرين يخرجها في شكل عبارات لغوية رمزية خالية من الشعور والحياة، وهو ما يجعل اللغة عاجزة عن تبليغ أفكارنا، وهكذا لجأ الإنسان إلى وسائل أخرى، كالشعر والفن والموسيقى وغيرها من أشكال الفن، من أجل التعبير عن مشاعره وأحاسيسه،وهذا ما يبرر بأن هناك انفصال بين اللغة والفكر.

نقد فكرة أن الانفصال بين اللغة والفكر

إن ما يؤاخذ عليه المدافعين على فكرة الانفصال بين الفكر واللغة، هو الفصل التام بينهما، فإذا كان الفكر سابق من الناحية النظرية والمنطقية فهو ليس سابق عنها من الناحية الزمنية، بدليل أن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في نفس الوقت، كما أنهم بالغوا في تمجيد الفكر والتقليل من شأن اللغة، الأمر الذي جعل الفكر نشاطا أخرسا، والواقع يؤكد أن التفكير لا يتم بدون لغة، والفكر بدون لغة مجرد شعور باطني لا معنى له، كما أنه لو كانت اللغة عاجزة عن التعبير عن جميع أفكارنا، فقد لا يكون العيب في اللغة، بل في مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن كامل أفكاره، لأن المعنى الواحد قد نعبر عنه بعدة ألفاظ وكلمات خاصة الذي يمتلك ثروة لغوية أكثر من بقية الناس، كما أن الدراسات النفسية المعاصرة أثبتت أن تكوين المعاني والأفكار عند الأطفال يتم في اللحظة نفسها مع تعلم اللغة واكتسابها، وهو ما يبرر أن التفكير يتعلم عن طريق اللغة، فالمرء يفكر باللغة، وهكذا فحضور الفكر يشترط حضور اللغة، مما يجعلهما وجهين مختلفين لعملة واحدة.



العلاقة بين الفكر واللغة علاقة اتصال (نقيض الأطروحة)

وفي مقابل الرأي السابق، نجد من يرى بأن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة اتصال، وذلك ما نجده عند أصحاب الاتجاه الأحادي (اللغوي) وعلى رأسهم هاملتون، هيجل، دولا كروا، حيث يؤكدون بأن اللغة والفكر شيء واحد، أي متطابقين، ولا أسبقية لأحدهما عن الآخر، وهما متلاحمان متصلان مترابطان، ويمثلان وحدة عضوية غير قابلة للإنفصال، فلا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر، فهما واجهان لعملة واحدة، وبالتالي فلا يمكن تصور أفكار خارج إطار الكلمات، ويدافع أصحاب هذا الإتجاه عن رأيهم، باعتماد مجموعة من الحجاج والبراهين والتبريرات، التي نذكر منها الحجج الآتية:

الحجة 1:إن اللغة هي التي تبرز الفكر وتوضحه وتكشف معانيه وتطوره، بمعنى أنه لا وجود لفكر بدون لغة، فاللغة هي التي تحققه وتخرجه من حيز الكتمان إلى حيز التصريح، فلولاها لبقي الفكر حبيس صاحبه، لا يمكن كشفه والتعرف على حقيقته، كما أنها هي التي تمنح الفكر صبغة اجتماعية موضوعية، بحيث تنقله من طابعه الإنفعالي الذاتي، ليصبح معرفة إنسانية قابلة للانتقال بين الأفراد، ويقول فيخته في هذا الصدد: "إن اللغة تلازم الفرد في حياته وتمتد إلى أعماقه وتبلغ أخفى رغباته، إنها الرابطة الوحيدة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان، فهي التي تجعل الأمة كلا متراصا"، وهكذا فالفكر بدون لغة يبقى حوارا صامتا، أي مجرد مونولوج داخلي بين الذات ونفسها، وهذا ما قصده أفلاطون قديما قائلا: "الفكر لغة صامتة"، فالتفكير هو حوار بين الإنسان وذاته، والحوار جوهره اللغة.

الحجة 2: بالإضافة إلى هذا فقد أكدت دراسات بعض علماء النفس، أن الطفل يكتسب المعاني والأفكار والصور حين يتعلم اللغة، أي أنه يتعلم اللغة في نفس الوقت الذي يتعلم فيه التفكير، وبذلك فالارتقاء اللغوي وثيق الصلة بالارتقاء الفكري، وذلك ما تؤكده تجارب اللغوية الروسية فيغوتسكي، حيث أكدت أن نمو فكر الطفل ولغته يكونان متوازيين لمدة سنتين، ثم يصبحان متطابقان بعد ذلك، بمعنى أنهما لهما نفس النمو، وهذا دليل على وحدة اللغة والفكر، أي أن اللغة والفكر شيء واحد ومتصلان، بالإضافة إلى هذا، ففقدان اللغة يوازيه فقدان في التوازن النفسي والعقلي، وهذا ما أثبتته بعض الأبحاث التي قام بها علماء النفس، والتي تؤكد على انحطاط الفكر عند فاقدي اللغة من دوي الاحتياجات الخاصة، وبمجرد أن يتمكن هؤلاء من لغة معينة إشارية أو صوتية، ينمو فكرهم نموا سريعا، 

وهكذا، فالعلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة اتصال وتداخل وترابط، ولا يمكن فصل الواحد عن الآخر، فهما وجهان لعملة واحدة، كما سبق القول، ويقول هيجل في هذا الصدد: "إننا نفكر داخل الكلمات"، أي أن التفكير ما هو إلا كلام يختفي وراء الصوت، أما جورج جوسدورف فنجده يقول: "إن التفكير ضاج بالكلمات"، أما كودنياك فيقول: "إن المعاني المجردة تتولد من الحواس فكل فكرة أصلها لفظة"، ويقول أيضا: "إن فن التفكير يرتد إلى فن إتقان الكلام"، وهذا ما نجده أيضا عند موريس ميرلوبونتي الذي يقول: "اللغة ليست علامة للتفكير مثلما أن الدخان علامة النار بل أنهما متداخلان يضم أحدهما الآخر"، لذا قيل "الألفاظ حصون المعاني" أو "الالفاظ قصور المعاني"، وقد شبه فرديناند دي سوسير الارتباط بين اللغة والفكر بورقة ذات وجهين، الفكر ظهرها واللغة وجهها، فكما لا يمكن تمزيق الورقة دون ظهرها أو العكس، فإنه لا يمكن عزل اللغة عن الفكر أو الفكر عن اللغة، لأن الإنسان ومن الناحية العملية يفكر بكلمات ويتكلم بأفكار، ولهذا يقول واطسون "إننا نفكر بلغتنا ونتكلم بفكرنا".



الحجة 3: كما أنه لا توجد لغة بدون فكر، لأن الكلمات والعبارات التي لا تدل على معاني وأفكار وتصورات، هي في الحقيقة كلمات ميتة لا حياة لها، لذلك نجد إدوارد سابير يقول في هذا الصدد :"فالفكر بالنسبة إلى اللغة يمكن تعريفه بأنه المضمون المستتر أو أعلى طاقة كامنة للكلام".

وبالاضافة إلى ذلك يؤكد أصحاب هذا التصور على استحالة التفكير بدون لغة حيث يقول هيجل في هذا الصدد: "إن الرغبة في التفكير بدون الكلمات محاولة عديمة الجدوى، فالكلمة هي التي تعطي للتفكير وجوده الأسمى والأصلح"، بمعنى أن الأفكار لا يمكن أن توجد بدون لغة، ولا يمكن للمعنى أن يستقيم ما لم يعتمد على اللغة،  ويقول هيجل كذلك: "اللغة وعاء الفكر"، بمعنى أن اللغة، وبحكم أنها تشكل أداة ضرورية لمزاولة النشاط الذهني، فهي نسيج يتحكم في الوظائف العقلية من تذكر وتخيل وذكاء وإدراك، فبواسطتها يقوم المرء بمختلف العمليات العقلية، كالتحليل والتركيب والمقارنة والاستنتاج، أما أرسطو فنجده يقول: "ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية"، كما نجد مارتن هيدجر يؤكد على أن اللغة هي المسكن الذي يسكنه الفكر، فلولا اللغة لما كان بإمكاننا التعبير عما يدور في عقولنا من أفكار، بينما نجد إميل بينيفيست اللغوي المعاصر يقول في هذا الصدد: "إن التفكير ليس من الداخل في شيء، ولا وجود له خارج عالم الألفاظ".

وفي نفس السياق نجد واطسون، رائد المدرسة الجشطالتية في علم النفس، يقول في حديثه عن العلاقة بين الفكر واللغة: "التفكير هو ضرب من الكلام الصامت"، وهو نفس الأمر الذي نجده أيضا عند ستالين الذي يقول كذلك: "لا توجد أفكار عارية مستقلة عن اللغة"، أما هاملتون فنجده يقول في ذلك: "إن المعاني شبيهة بشرارة النار التي تومض إلا لتختفي ولا يمكن إظهارها إلا بالألفاظ"، ويقول لافيل كذلك: "اللغة ليست ثوب الفكر بل هي جسده...وفي غياب اللغة لا يوجد فكر"، وهكذا نؤكد على فكرة أن اللغة والفكر متصلان متداخلان ومرتبطان لا يمكن الفصل بينهما، وبالتالي فالاعتقاد بوجود نشاط فكري بدون لغة هو ضرب من الخيال، لأننا عندما نفكر يعني أننا نتحدث بصوت خافت، وعندما نتحدث فإننا نفكر بصوت عالي، هذا ما دفع  ريفارول إلى القول بأن "الكلام هو التفكير خارجيا والتفكير هو اللغة داخليا"، فمجال اللغة ومجال الفكر متطابقان ومتساويان ومتصلان.



نقد فكرة الاتصال بين الفكر واللغة

طبعا أن اللغة تقدم خدمات جليلة للفكر، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، باعتباراللغة الوعاء الذي تصب في الأفكار، لكن ذلك لا يفسر أن المقدرة اللغوية تتماشى بالضرورة مع المقدرة الفكرية، فالشعراء والأدباء رغم ثروتهم اللغوية الهائلة، إلا أنهم كثيرا ما يعجزون عن الافصاح عن خواطرهم والتعبير عن تصوراتهم وأفكارهم، كما أن الطالب في الامتحان كثيرا ما تخونه اللغة في تبليغ إجابته للمصحح، أما من الناحية الواقعية نجد بأن أكثر الناس يشعرون بعدم قدرتهم على المساواة بين قدرتهم على الفهم والاستيعاب (التفكير) وقدرتهم على تبليغ أفكارهم والتعبير عن مشاعرهم، فلو كانت اللغة تساير حركية الفكر، لما شعر المرء بعجزه عن التعبير والتبليغ عن ما يختلج في أعماقه النفسية، كما أنه لو كان باستطاعة اللغة التعبير عن كل ما يشعر به الإنسان، فلماذا إذن يلجأ إلى الفن والموسيقى والرسم لتبليغ أحاسيسه، بالاضافة إلى ذلك فاللغة رموز مادية خالية من الحياة، في حين أن المعاني والأفكار هي أحوال شعورية ومعنوية.

التركيب

وانطلاقا مما سبق، يمكنن القول بأنه حتى وإن كان الفكر في بعض الوضعيات سابق عن اللغة، فهذا ليس معناه أنه أوسع منها أو أهم منها، لأنه في واقع الأمر أن اللغة والفكر متداخلان مترابطان ومتصلان، فهناك عملية تأثير وتأثر بينهما، بمعنى أن كل منهما يؤثر على الآخر ويتأثر به، فليس هناك أي معنى لأحدهما بمعزل عن الآخر، فاللغة دون فكر هي مجرد حالة من الهذيان، والفكر بدون لغة هو حالة وهمية خيالية، وعندئد فالفكر يتحقق باللغة، واللغة تحقق قيمتها بما تحمله من معاني ودلالات، فرغم اختلافهما في الوجود والطبيعة، إلا أن غايتهما ودورهما واحد، وهو تحقيق التواصل الإنساني والتفاعل الإجتماعي.



حل المشكلة

وهكذا، نستنتج مما سبق، أنه رغم الإختلاف الموجود بين طبيعة كل من اللغة والفكر، إلا أننا لا نستطيع تصور تباعد وانفصال بينهما، فلا يمكن أن توجد للفكر وسيلة لوجوده الفعلي سوى عبر اللغة، فهما يشكلان كلا متجانسا لا يقبل التجزئة، وكل واحد منهما يكتسب قيمته من الآخر، وهو ما يجعلهما متكاملين وفي كلاهما تتحدد ماهية الإنسان، باعتباره كائنا مفكرا، يمتلك لغة واعية يعبر من خلالها عن أفكاره مشاعره، فحتى وإن تمكن من الفصل بينهما من حيث الوجود والخصائص، إلا أنه يتعذر علينا الفصل بينهما من ناحية التكامل، فالإنسان وإن كان يعجز أحيانا عن تبليغ أفكاره والتعبير عن تصوراته ومشاعره، إلا أن ذلك ليس مبررا على انفصال الفكر عن اللغة، فالفكرة تتحقق بالكلمة، والكلمة تحقق وجودها الفعلي بما تنطوي عليه من معنى،  لذلك في اعتقادي أن ماكس مولر حين شبه التداخل بين الفكر واللغة بالقطعة النقدية من خلال قوله: "ليس ما ندعوه فكرا إلا وجها من وجهي  القطعة النقدية والوجه الآخر هو الصوت المسموع والقطعة شيء واحد غير قابل للتجزئة"، كان كلامه حقيقة لا تقبل الشك.

نتمنى أن يكون موضوع هذه المقالة الفلسفية قد نال إعجابكم، وقد استفدتم منها، ونذكر بأن هذه المقالة الفلسفية الجدلية الجاهزة، حول علاقة اللغة بالفكر، هي خاصة بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي، شعبة لغات أجنبية وشعبة آداب وفلسفة، وهي إجابة عن السؤال الرئيسي هل يمكن الفصل بين اللغة والفكر؟.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-