مناهج الإستشراق الفلسفي
يتعلق الإستشراق الفلسفي ببناء تاريخ للفلسفة، يقوم أساسا على المركزيّة الغربيّة، "إنه تاريخ للفلسفة في أوروبا من العصر الهيليني إلى العصر الحديث يُنصَّب تنصِيبا على التّاريخ العام للفلسفة متجاهلا ليس فقط الفلسفة في الإسلام التي احتلت لمدة أربعة قرون مكانا بارزا في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة التي كانت ثقافة العالم في عصرها، بل ومتجاهلا كذلك الفلسفة التي ازدهرت قبل الإسلام في البلدان التي ستصبح عربيّة إسلاميّة كمصر وسوريا والعراق"[1]، وفي إطار هذه المركزيّة وضمان وحدة الفلسفة الغربيّة واستمراريتها، تم إنتاج ثلاثة مناهج، من داخل الحضارة الغربيّة، وهي مناهج تخدم المركزيّة ذاتها، فهناك المنهج التّاريخي، المنهج الفيلولوجي والمنهج الفردي الذّاتي.- المنهج التاريخي.
- المنهج الفيلولوجي.
- المنهج الفردي أو الذاتي.
1. المنهج التاريخي
فقد كان المنهج
التّاريخي يهدف إلى بناء وحدة الفلسفة الغربيّة وضمان إستمراريتها، ويقوم هذا
المنهج على "فكرة التّقدم التي بلغت أوجها عند هيغل الذي لم يتردد في
التّأكيد على أن تاريخ الفلسفة يكشف بجلاء من خلال مختلف الفلسفات التي تظهر، أنه
ليست هناك إلا فلسفة واحدة على درجات متفاوتة من النّمو، وأن المبادئ الخاصة التي
ترتكز عليها منظومة فلسفيّة معينة ليست هي الأخرى سوى فروع لنفس الكيان
الواحد"[2]،
وبالتالي أصبحت الفلسفات الأخرى مجرد نتائج للفلسفة الغربيّة، التي تحتوي على
مبادئ تلك الفلسفات التي لا تمثل في تاريخ الفكر الفلسفي سوى برك أشبه بالبحر الميّت،
مفصولة ومعزولة عن النهر الخالد الذي هو
الفلسفة الغربيّة.
2. المنهج الفيلولوجي
أما المنهج
الفيلولوجي، الذي يعمل على تحقيق انصوص ونقدها، وذلك بالبحث عن أصل الأفكار
والنّظريات الفلسفيّة الغربيّة، إلا أنه هو نفسه يكرّس مركزيّة الفلسفة الغربيّة،
وذلك بالبحث عن هذه الأصول من داخل الحضارة الغربيّة، فقد كان مجال بحث
"الفيلولوجيون عن أصول للأفكار التي يقول بها فلاسفة أوروبا هو المجال
الأوروبي ذاته، ولم يحدث قط أن إعترفوا بأصل غير أوروبي لأيّة فلسفة أو فكرة قال بها فيلسوف أوروبي"[3]،
وهكذا يغفل هذا المنهج الأصول الخارجيّة واللاّغربيّة، للنّظريات والأفكار الفلسفيّة
والعلميّة.
3. المنهج الفردي أو الذاتي
وفي
الأخير، هناك المنهج الفردي أو الذّاتي الذي يرفض النظرة الشموليّة
للمنهج التّاريخي، والنظرة التجزيئيّة للمنهج الفيلولوجي، فيدعو إلى التعامل مع كل
فرد على حدة، بغض النظر عن وسطه الإجتماعي والتّاريخي والثّقافي، إلاّ أنّ أصحاب هذا
المنهج لم يتعدّو حدود "الفلاسفة الذين ينتظمهم تاريخ الفلسفة الأوروبّاوي
النزعة، أمثال أفلاطون وديكارت وباسكال وكانط..."[4].
هذه المناهج الثلاث هي التي تقاسمت مؤرخي الفلسفة في الغرب، وهي نفسها المناهج التي أخذ بها المستشرقون، وهي مناهج كلها تكرّس المركزيّة الفلسفيّة الغربيّة، وتهدف إلى بناء وحدة الفلسفة الغربيّة وضمان إستمراريتها، في مقابل تهميش باقي الفلسفات، باعتبار الفلسفة الغربيّة هي البحر الذي ترتوي منه باقي البرك الفلسفيّة.