أحسن مقالة فلسفية جاهزة حول هل طبيعة الذاكرة مادية أم نفسية؟
![]() |
مقالة فلسفية حول الذاكرة والخيال |
في هذا الموضوع نقدم مقالة فلسفية جدلية جاهزة حول طبيعة الذاكرة، من مشكلة الذاكرة والخيال، وذلك إجابة على السؤال الرئيسي التالي: هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم أنها ذات طبيعة نفسية؟، وهذه المقالة الفلسفية تخص تلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، وقد حاولنا الإجابة على السؤال السابق وفق الطريقة الجدلية، حيث قمنا بطرح المشكلة في المقدمة، بعنوان طبيعة الذاكرة بين المادي والنفسي، ثم حاولنا التوصل إلى حل من خلال تقديم منطق الأطروحة الذي يرى بأن الذاكرة ذات طبيعة مادبة، ثم بعدها قدمنا نقدا لهذه الأطروحة، ثم قمنا بتقديم نقيض الأطروحة الذي يؤكد على أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية مع نقدها، وخرجنا بعدها بتركيب، ثم حل لمشكلة طبيعة الذاكرة.
محتويات الموضوع
- طبيعة الذاكرة بين المادي والنفسي (طرح المشكلة).
- الذاكرة ذات طبيعة مادية (منطق الأطروحة).
- نقد فكرة أن الذاكرة ذات طبيعة مادية.
- الذاكرة ذات طبيعة نفسية (نقيض الأطروحة).
- نقد فكرة أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية.
- التركيب.
- حل المشكلة.
طبيعة الذاكرة بين المادي والنفسي (طرح المشكلة)
يتميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بمجموعة من الملكات الذهنية، التي تساعده على تحصيل المعرفة وتحقيق التكيف مع محيطه الخارجي، وتعتبر الذاكرة ملكة من بين هذه الملكات الذهنية، حيث التي تقوم بحفظ صور الوقائع الماضية واسترجاعها في الحاضر مع الوعي بها باعتبارها وقائع ماضية، ونظرا لأهمية الذاكرة لدى الإنسان، فقد احتلت مكانة مرموقة بين المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس، وقد نتج عن ذلك تباين واختلاف في المواقف والتصورات، لخاصة فيما يتعلق بتفسير طبيعتها، فهناك من يعتقد بأن الذاكرة ظاهرة بيولوجية مرتبطة بالبدن، وهناك من يعتقد بأنها ظاهرة نفسية خالصة، لا علاقة لها بالجسد، وهذا النقاش والتباين هو الذي يمنح المشروعية للتساؤلات الآتية: ما طبيعة الذاكرة ؟ هل هي ظاهرة مادية من اختصاص الدماغ أم هي ظاهرة نفسية روحية؟.
الذاكرة ذات طبيعة مادية (منطق الأطروحة)
إن الذاكرة ذات طبيعة مادية، لا تختلف في وظائفها عن وظائف الظواهر الفزيائية، وذلك مايؤكد عليه اصحاب الاتجاه المادي، وعلى رأسهم تيودول ريبو والفرنسي رونيه ديكارت، فالذاكرة في نظرهم تمتلك خاصية القابلية للاحتفاظ بآثار الذكريات المسجلة في خلايا الدماغ، مثلما تمتلك قطعة الحديد خاصية الإنصهار والتمدد، والورقة خاصية القابلية للانثناء والطي، فالذكريات هي عبارة عن آثار مادية مخزنة في خلايا القشرة الدماغية بفعل التكرار، بحيث يمكن إثارتها مرة أخرى بفعل منبهات الحاضر (كلمة، إشارة، صورة، فكرة، مكان،....)، وفي هذا يقول تيودول ريبو: "إن الذكريات تخزن في الدماغ، وأن كل خلية تخزن معلومة معينة"، فالمناطق الديماغية في نظر تيودول ريبو تتلقى المعلومات عن طريق حاسة السمع، فتحفظ بسرعة، لكنها مع ذلك فهي عرضة للنسيان بسهولة، وإذا أراد الإنسان أن يثبتها أكثر، لابد وأن ينقلها إلى ما يعرف بالذاكرة قصيرة المدى، بفضل الانتباه والتركيز تحفظها لمدة قصيرة، وعن طريق التكرار تنقل إلى الذاكرة طويلة المدى، وتنقش على الدماغ فتترك آثارا فيه.
الحجة 1: إن اختلال الهضم ودوران الدم والتنفس يؤثر على التذكر، وذلك ما أثبتته التجارب العلمية، فهناك بعض المواد المهيجة للجملة العصبية أو المسكنة، تنبه الذاكرة أو تضعفها، فتناول بعض الأغذية يساعد على تنشيط القدرة على استرجاع الذكريات، كالسمك الغني بالبروتين أو الموز أو العسل ... وهذا ما أثبته العلم الحديث.
الحجة 2: ثم إن الذاكرة ذات اصول مادية مرتبطة بالأجهزة العضوية، لأن الذاكرة تتعدد بتعدد الحواس، فهناك ذاكرة بصرية وذاكرة سمعية وأخرى ذوقية وغيرها.
الحجة 3: توصل ريبو إلى أن اتلاف خلايا الجملة العصبية نتيجة حادث ما، يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أو كلي للذاكرة، وقد استند في ذلك إلى أعمال وتجارب دولاي على الفتاة التي اصيبت برصاصة في منطقة الفص الجداري الأيمن من الدماغ، فقدت على إثره المعرفة الحسية اللمسية في الجهة اليسرى، فبعد تعصيب عينيها، وضع في يدها اليسرى مشط، فوصفت جميع أجزائه، لكنها لم تستطع التعرف عليه، وهذا يعني أنها فقدت ذكرى المشط.
الحجة 5: كما استند ريبو إلى التجربة التي قام بها الجراح جورج بروكا على أحد الحيوانات، حينما قام بتخريب منطقة المسؤولة عن حفظ الذكريات في دماغ الحيوان، وتثبت تجارب بروكا أن نزيفا دمويا في منطقة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ، يولد مرض الحبسة (وهو مرض يفقد صاحبه الكلام من غير أن يكون هنالك خلل في أعضاء الصوت)، كما أن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى اللفظي (وهو عدم فهم معاني الكلمات)، وهكذا، فإن الدماغ عند ريبو وعاء للذكريات، وأن هذه الخبرة تشبه الأفعال الآلية، أي العادة، ويقول في هذا الصدد: "إن الذكريات الراسخة هي الذكريات التي استفادت من التكرار".
نقد فكرة أن الذاكرة ذات طبيعة مادية
لا يمكن إنكار أن تحديد طبيعة الذاكرة يستند على الجوانب
العضوية، إلا أن ذلك لا يعني أن
الذاكرة ظاهرة مادية خالصة مستقلة عن الجوانب النفسية، لكن لو كان الأمر صحيحا، لأدت الاصابات الدماغية إلى فقدان الذكريات بصفة نهائية، لكن الملاحظة تثبت عكس ذلك، بحيث أن ما يعانيه المرء هو صعوبة في التذكر فقط، بحيث قد يسترجع
ذكريات أثناء حالة انفعالية، وهذا يبطل التفسير المادي للذاكرة، كما أن الواقع يؤكد
أن المرء قد يفقد ذكرياته، بالرغم من سلامة المخ وعدم تعرض الدماغ لأي صدمة، وهذه
الحالة تؤكدها تجربة الطالب أثناء الإمتحان، حيث يعجز عن استرجاع معارفه رغم سلامة
دماغه، كما أن التكرار لا يكون في مطلق الأحوال سببا في تثبيت الذكريات، وهكذا فهناك ذكريات لا تتكرر، ومن شدة وقعها في النفس تصبح ذكرى، لهذا نجد هنري برغسون يقول عن
ريبو، بأنه أخلط بين الذاكرة والعادة.
الذاكرة ذات طبيعة نفسية (نقيض الأطروحة)
وخلافا للأطروحة السابقة، فإن الذاكرة ترجع إلى خصائص شعورية نفسية، وهذا ما يؤكد عليه أصحاب الاتجاه النفسي وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، فالذاكرة في نظر هذا الاتجاه هي عملية نفسية واعية، قوامها الشعور، وهو ما يجعلها جوهر روحي محض، فبرغسون يرى بأن الإحتفاظ بالماضي يتم وفق صورتين مختلفتين جوهريا، فقد يكون في صورة آلية مخزونة في الجسم، وقد يكون في صورة ذكريات نفسية مستقلة عن الدماغ، وتسمى طريقة الاحتفاظ الأولى، في صورة ذكريات نفسية مستقلة عن الدماغ، أما طريقة الاحتفاظ الثانية فتسمى بذاكرة العادة، وهي ذاكرة بيولوجية حركية، تقوم على أساس البدن، وتأخذ شكل عادات آلية تم اكتسابها عن طريق التكرار، كالحفظ عن ظهر قلب، أما الصنف الثاني، فيسميه برغسون بذاكرة الذاكرة أو الذاكرة النفسية الشعورية، وهي ذاكرة نفسية ذات طبيعة روحية مستقلة تماما عن الجسم والدماغ، فهي تقوم بتصوير الماضي واستحضاره بدون إعادة أو تكرار، فتنقله إلينا في صورة حالات نفسية، فحفظ درس مثلا، يتطلب تكراره عدة مرات بواسطة التسميع الذاتي، كما أن التكرار يكسب عادات حركية تساعد على انطباع الدرس في الذهن، ويتم استرجاعه بواسطة تلك العادات الحركية، إلا أن محاولة استرجاع الطريقة التي تم الحفظ بواسطتها، وما صاحب ذلك من ملابسات، كالقراءة الأولى، ونوع الخط الذي كتب به الدرس مكان الحفظ وغيرها، وهي عملية نفسية لا تتم بواسطة الآليات الحركية، لأن الذاكرة الحركية تعتمد على التكرار، أما الذاكرة النفسية فهي نوع من التصور قائم في الزمان،وهكذا، فالعادة جسمية والذاكرة نفسية.
ويقر هنري برغسون بأن
الذاكرة الحقيقية هي الذاكرة النفسية وليست ذاكرة العادة، وبالتالي، فلما كانت ذاكرة
الذاكرة مرتبطة بالشعور والنفس، فلابد أن تكون ذات طبيعة نفسية روحية خالصة، لا علاقة
لها بالجسد المادي، ويقول في هذا الصدد: "إن الشعور إنما يعني أولا وبالذات الذاكرة"، وهذا ما أغفله أصحاب التفسير المادي للذاكرة، فقد أخلطوا بين النوعين السابقين، واكتفوا بالذاكرة الحركية مهملين الذاكرة النفسية والتي أهم منها، ويؤكد هنري برغسون على هذا
التمييز من خلال مقارنته بين خصائص كل نوع، فالإصابات الدماغية في الجهاز العصبي لها تأثير على الآليات الدماغية التي تحفظ
ذاكرة العادة، في حين ليس لها أي أثر على الذكريات النفسية، ثم إن الإكتساب في النوع
الأول يكون بالتدريج والتكرار، أما في الثاني، فيكون دفعة واحدة وبدون
تكرار، كإدراكنا لحادث مرور مروع ماضي، فلا يستدعي تكراره كي يكتسب، ثم أن قدرة
استرجاع ذاكرة العادة مرهونة بمدى تكرارها، لذلك يعمد التلميذ أثناء تحضيره لشهادة البكالوريا، إلى تكرار المراجعة حتى
يتمكن من استرجاعها يوم الامتحان، بينما استرجاع الذكريات على مستوى الذاكرة
النفسية، مشروط بمدى تأثيرها على نفس الانسان ودرجة الألم أو اللذة التي تخلفها
الحادثة، ومن هنا يبدوا الفرق بين هذين النوعين واضحا، وذلك ما أغفله التفسير المادي
الذي ينطبق على النوع الأول فقط، في حين أن حقيقة الذاكرة وجوهرها هو النوع الثاني، أي
الذاكرة النفسية التي ترتبط بالنفس والشعور، وهو ما جعل هنري برغسون لا يميز بين الذاكرة
والشعور، حيث يقول في هذا الصدد: "إن الشعور هو ذاكرة أعني أنه حفظ للماضي في الحاضر وتجمع
للماضي في الحاضر".
وعليه فالذاكرة بالنسبة لهنري برغسون، ما هي إلا استيقاظ الشعور من جديد وإحياء للماضي، فالذكريات في نظره موجودة في الفكر (الأنا العميق)، لذلك يقول (فرنيي): "لما نتذكر ما فعلناه فنحن نراه ونعيشه ونكون في الماضي الذي ندركه بدون واسطة"، ويبرر برغسون تفسيره لعملية التذكر بجملة من المبررات المبنية على انتقاده لنظرية ريبو، فالدماغ في نظر الفرنسي برغسون، أداة لاستحضار الذكريات وليس للإحتفاظ بها، وهكذا فإصابة في الدماغ لا تؤدي إلى زوال الذكريات، بل إلى ضعف في التذكر، وفقدان التذكر في نظر هنري برغسون راجع إلى عدم الإرادة في الاسترجاع، وليس فقدان وزوال الذكريات، لأن الذكريات التي لا تظهر موجودة في اللاشعور، والذكريات التي تظهر موجودة في الشعور.
نقد فكرة أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية
وهكذا، فهناك فرق بين ذاكرة العادة والذاكرة النفسية، لكن الفصل بين ما هو نفسي وما هو عضوي أمر
مبالغ فيه، ثم أن هذا التصور قلل من دور الدماغ في عملية التذكر، وقلل من دور
التكرار، مع العلم أن ترسيخ وحفظ ذكرى ما، متوقف على التكرار بالدرجة الأولى، كما أن
الذاكرة القوية بحاجة إلى جهاز عضوي سليم ومرن، ثم إن هنري برغسون قد انكر وجود الذكريات
في الخلايا العصبية، واستبعد تماما دور الجسم والمجتمع في تكوين الذاكرة الحقيقة،
بالإضافة إلى ذلك، فإن كانت نظرية برغسون قد فسرت لنا كيفية حفظ الذكريات، فكيف نفسر
فقدان الذاكرة أثناء تخريب منطقة البروكا الديماغية؟ وكيف نفسر قوة الذاكرة وضعفها
مع قوة الجهاز العصبي كما هو الحال بين الطفل والمسن؟.
التركيب
يتبين مما سبق، أن كلا الموقفين السابقين، سواء المادي أو النفسي، قد اهتموا بجانب واحد من طبيعة
الذاكرة، مما يجعل موقفهما ذاتي، لذلك نستحضر التفسير الاجتماعي، الذي يقدم طرح جديد تجاوزي، حيث يرى هالفاكس أن الذكرى هي حادثة تتكون ثم تخزن وتستحضر
في إطار الجماعة فقط، فلولا المجتمع لما تم تشكل أي نوع من الذكريات ذات طبيعة
اجتماعية سوسيولوجية.
حل المشكلة
وبالتالي نستنتج مما سبق، أن الذاكرة ليست ظاهرة بيولوجية خالصة، بل هي ذات وظيفة عقلية ونفسية
معقدة، يساهم في تركيبها عدة عوامل، منها العامل الفردي بأبعاده النفسية والعقلية
والبيولوجية، والعامل الاجتماعي وما يتضمنه من أطر وقيم اجتماعية، وهكذا، يمكن القول
أن الذكريات تتكون بفضل التأثيرات النفسية والمادية والاجتماعية حيث لا يمكن فصل
عامل عن الاخر.
إذن نتمنى أن نكون قد قدمنا لكم الفائدة في هذه المقالة الفلسفية الخاصة بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي آداب وفلسفة، والتي تعالج مشكلة الذاكرة والخيال، وخاصة عنصر طبيعة الذاكرة بين المادي والنفسي، وهذه المقالة بالطريقة الجدلية هي عبارة عن جواب عن سؤال، هل طبيعة الذاكرة مادية أن نفسية؟.
اقرأ المزيد