هل اللاشعور فرضية علمية أم أنها مجرد افتراض فلسفي؟ أفضل مقالة فلسفية جاهزة
![]() |
مقالة فلسفية جاهزة حول قيمة اللاشعور |
إن هذا الموضوع عبارة عن مقالة فلسفية جاهزة حول قيمة اللاشعور، من مشكلة الشعور واللاشعور، وهو عبارة عن جواب على السؤال الرئيسي التالي: هل اللاشعور فرضية علمية أم مجرد افتراض فلسفي فقط؟ وقد عالجنا هذا الموضوع وفق الطريقة الجدلية، وهي مقالة فلسفية تخص تلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، وقد عالجنا هذه المقالة الفلسفية، بالعمل على طرح المشكلة في مقدمتها، بحيث تحدثنا عن اللاشعور بين النظرية العلمية والإفتراض الفلسفي، ثم بعدها قدمنا منطق الأطروحة الذي يقول بأن اللاشعور عبارة عن فرضية علمية، وعملنا على تقديم نقد لذلك، ثم بعدها طرحنا نقيض الأطروحة، الذي يقر بأن اللاشععور مجرد افتراض فلسفي ليس إلا، وقدمنا النقد لذاك كذلك، ثم خرجنا بتركيب للمقالة، وبحل لمشكلة قيمة اللاشعور.
محتويات الموضوع
- اللاشعور بين الافتراض العلمي والفلسفي (طرح المشكلة).
- اللاشعور نظرية علمية (منطق الأطروحة).
- نقد فكرة أن يكون اللاشعور نظرية علمية.
- اللاشعور مجرد افتراض فلسفي (نقيض الأطروحة).
- نقد فكرة أن اللاشعور افتراض فلسفي.
- التركيب.
- حل المشكلة.
اللاشعور بين الافتراض العلمي والفلسفي (طرح المشكلة)
تأثر مجال علم النفس، بالتطور الذي عرفته الدراسات النفسية في العصر الحديث، بحيث ثم الإقرار بأن هناك جانبا كبيرا من الحياة النفسية لا يمكن ملاحظته، فأصبحت سلوكات الانسان تفسر بردها إلى هذا الأخير، والذي أطلق عليه إسم اللاشعور، وهو عبارة عن مجموعة من الأحوال النفسية الباطنية، التي تأثر في سلوك الفرد وتفكيره ومشاعره، دون أن يشعر بها،إلا أن البحث في قيمة اللاشعور، خلق نقاشا واسعا بين المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس في العصر الحديث، نتج عنه تباين واختلاف في المواقف والتصورات، فمنهم من يرفض فرضية اللاشعور الفرويدية كلية باعتبارها لا تتوفر على شروط الفرضية العلمية، وإنما هي أقرب إلى التفكير الفلسفي، في حين منهم من يؤكد على أنها فرضية علمية وضرورية لفهم ما لا نستطيع تفسيره شعوريا، وهذا النقاش هو الذي يمنح المشروعية للتساؤلات الآتية: هل ترقى فرضية اللاشعور إلى مستوى النظرية العلمية أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد افتراض فلسفي لا أقل ولا أكثر؟ وبعبارة أخرى، هل لفرضية اللاشعور قيمة علمية ؟ وهل يمكن تعميمها واعتبارها نظرية شاملة تفسر كل سلوكات الإنسان؟.
اللاشعور نظرية علمية (منطق الأطروحة)
إن جوهر الحياة النفسية لدى الإنسان يكمن في اللاشعور، ذلك ما يؤكد عليه رواد مدرسة التحليل النفسي وفي رأسهم الطبيب والعالم النفساني النمساوي سيغموند فرويد، الذي يؤكد بأن اللاشعور هو فكرة قائمة على أسس علمية، وبالتالي فهو نظرية علمية، ويدافع أصحاب هذا التصور على هذه الفكرة، بالاعتماد على مجموعة من الحجج والبراهين، نذكر منها الحجج الآتية:
الحجة 1: لقد أكدت تجارب التحليل النفسي العلاجية القائمة على أسلوب التداعي الحر، والتي أجراها سيغموند فرويد على مرضاه، أن الكبت هو علة اللاشعور، وهو نتيجة تضارب رغبتين، يتم إشباع إحداها وصد الأخرى، وهو ظاهرة نفسية لا شعورية، يحدث بسبب كبت المريض للأحداث المؤلمة الحزينة أو الرغبات المنبوذة اجتماعيا أو الحوادث التي تمس الكرامة والشرف، غير أن الكبت لا يعني اختفاء الميول المكبوتة نهائيا، بل تبقى نشطة ديناميكيا وتظهر في مظاهر متعددة منها:
النسيان: فقد بينت مدرسة التحليل النفسي أن نسيان بعض الأسماء أو الكلمات أو الاشياء له دلالة ومعنى، فهو يرجع إلى أسباب ودوافع لاشعورية يؤلمنا تذكرها، فنحاولها كبتها في اللاشعور، فحين ينسى احدنا اسم بلد معين، فإن نسيانه يعبر عن سبب لاشعوري في عدم الرغبة في تذكر ذلك الاسم، ربما لما له من ذكريات أليمة مثل الكيان الصهيوني أو فرنسا مثلا.
الأحلام: التي تعبر عن دوافع لاشعورية تريد التحقق، ولكنها مكبوتة في خبايا اللاشعور، وكل حلم يحمل دلالة تشير إلى سبب لاشعوري، فالاحلام حسب سيغموند فرويد ليست تركيبا عشوائيا للصور، وإنما هي فرصة مواتية تظهر من خلالها ميول الأفراد ورغباتهم المكبوتة.
الحيل: وهي آليات دفاعية يتخذها الأنا للدفاع عن نفسه دون وعي، ومنها حيلة التعويض ومفاده أن وجود أي نقص في جانب من جوانب شخصية الإنسان يدفعه بطريقة لاواعية إلى اتخاذ سلوك بديل لتغطية نفسه، ونجد كذلك حيلة التبرير وهي آلية دفاعية تجعل الانسان يبرر أفعاله بردها إلى أسباب أخرى، أو ربطها بالأخرين، فالطالب الذي يفشل في الامتحان مثلا، عندما يسأل عن سبب فشله، يبرر ذلك بصعوبة الإمتحان وعدم كفاءة أساتذته، ولا يبرر ذلك بسبب كسله، ثم حيلة الإعلاء أو التصعيد (التسامي) فمن خلاله يقوم الأنا بتحويل الميول العدائية والرغبات الجنسية والسمو بها في شكل أعمال مقبولة اجتماعيا، فالغرائز الجنسية في نظر سيغموند فرويد، تتحقق في أعمال سامية كالفن والرياضة والأدب... كما أن الميول العدائية تعبر عن نفسها في شكل سامي في أن تبرر مثلا في النقد.
فلا يمكن لمنهج الاستبطان (التأمل الباطني) القائم على الشعور، أن يمكننا من معرفة المظاهر اللاشعورية السالفة الذكر، (الأحلام النسيان الأغلاط اللاشعورية الحيل ..)، وبالتالي لا بد من أن نستدل على وجودها من خلال أثرها على السلوك، وهو ما يؤكد فكرة أن اللاشعور هو أساس الحياة النفسية في نظرهم.
الحجة 2: وقد أثبتت التجارب الاكلينيكية وجود مكبوتات هي المسؤولة عن الأمراض النفسية مثل الهستيريا، الصرع والاضطرابات النفسية، فهناك علاقة سببية بين بعض الذكرايات الأليمة والأعراض العصبية، وزوال هذه الأمراض، يتم بانتقال هذه الذكريات إلى ساحة الوعي أو الشعور، وهذا ما يثبت عملية اللاشعور، ثم إن جوزيف بروير قد أجرى في نهاية القرن التاسع عشر، تجربة على فتاة مصابة بالهستيريا، فلاحظ أنها كانت تتمتم في حالات الغيبوبة بكلمات بدى له أنها تتعلق بهموم شخصية حميمية، فوضعها في حالة تنويم مغناطيسي، وأعاد عليها تلك الكلمات فكررتها المريضة، وكونت تخيلات تتسم بالكآبة، وبعد ترديد عدد منها تحسنت وعادت إلى حالتها الطبيعية، واختفى التحسن في اليوم التالي، وبعدها عاد فظهر بعد جلسة جديدة، وواصل علاجه على هذا النحو حتى شفيت، ولقد خلص بروير في الأخير إلى أن المريضة لم تستطع أن تتبين الصلة بين أعراضها وبين خبرات حياتها، ولكنها في حالة التنويم (اللاشعور) كشفت فورا عن الصلة المفقودة، أي أن أعراضها كانت بمثابة ذكريات من مواقف وجدانية ماضية، وعندما تنجز تلك المكبوتات في الخيال (اللاوعي)، تزول تلك الأعراض، وذلك ما يفسر أن أعراض الهستيريا لا تعود لأسباب عضوية، بل هي متولدة عن أسباب نفسية لا شعورية لا يعيها المريض.
الحجة 3: بالإضافة إلى هذا، فقد أصبحت الدراسات والنتائج التي استخلصها التحليل النفسي لقضايا اللاشعور، تفيد كثيرا في دراسة سلوك المجرمين والمنحرفين والمجانين وحتى الفاشلين، فقد عززت هذه الدراسات الجانب الإنساني، بحيث أصبح عدد كبير من المنحرفين يدخلون المستشفيات بعد أن كان يلقى بهم في السجون، أو يضلون عرضة للسخرية، وهكذا، نجد محمد وقيدي يرى بأن فرضية اللاشعور تساعدنا على إلقاء الضوء على حالات المرض النفسي، أو حالات الاضطراب في مستوياتها المختلفة، وذلك من خلال قوله: "إنها فرضية تساعدنا أيضا على تفسير مظاهر السلوك العادي، التي لا تستطيع فرضية تطابق الحياة النفسية مع الحياة الشعورية أن تفسرها".
نقد فكرة أن يكون اللاشعور نظرية علمية
صحيح أن هذه المبررات التي استند إليها أنصار هذا الموقف وفي مقدمتهم سيغموند فرويد، لها قيمتها في تأكيد فكرة علمية اللاشعور، لكن هناك نوع من المبالغة في الإعلاء من قيمة فرضية اللاشعور الفرويدية، فرغم ما
حققته هذه الفرضية من نتائج مقبولة، إلا أنها تبقى بعيدة من أن تكون في مستوى النظرية العلمية، فرغم القيمة العلمية لنتائج
التحليل النفسي، فمع ذلك يبقى منهجا عياديا لا يمكنه أن يمدنا بنتائج دقيقة يمكن تعميمها، وهكذا، تبقى مجرد تصور حاول فرويد تطبيقه على فئة معينة وهم فئة المرضى فقط دون الاصحاء منهم، كما أن فرويد ربط اللاشعور بالغرائز وخاصة اللبيدوا، وجعل من الفرد شبيها بالحيوان الذي تسيره
غرائزه فقط، لذلك، لا يمكن رد الحياة النفسية للاشعور ولليبيدوا، وهذا ما جعل فرضية اللاشعور لا
ترقي إلى المستوى العلمي، لأنه لا يمكن التحقق من صدقها دائما، هذا ما أدى إلى ظهور
اعتراضات ضد التحليل النفسي الفرويدي خاصة واللاشعور عامة.
اللاشعور مجرد افتراض فلسفي (نقيض الأطروحة)
وعلى خلاف التصور الأول، فاللاشعور هو مجرد افتراض فلسفي لا أكثر، وذلك ما يؤكد عليه بعض المختصين في علم النفس وفي مقدمتهم تلاميذ سيغموند فرويد، (وهم زعماء مدرسة التحليل النفسي الجديدة)، ففرضية اللاشعور في نظرهم ليست فكرة علمية بقدر ما هي مجرد افتراض فلسفي، فقد وضح كل من أدلر ويونغ وستيكال وحتى سارتر، على أن منهج التحليل النفسي قد حفل بعدة مبالغات تجعلنا نشك في الطبيعة العلمية لفرضية اللاشعور.
بالإضافة إلى ذلك، فقد بين كارل يونغ بأن اللاشعور لا يتأسس على ما هو جنسي فقط، بل يضاف إليه الحاجة إلى السيطرة، وأثبت أن اللاوعي ليس فردي بل هو جمعي، لأنه مليء بالأزمات التي عشناها في طفولتنا، وكذلك التي مرت بها الإنسانية جمعاء، وهي نفسها الفكرة التي نجدها عند الطبيب النمساوي ستيكال الذي أنكر فكرة اللاشعور الفرويدي إطلاقا، ويقول في هذا الصدد: "لا أؤمن باللاشعور، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى لكنني بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة، وجدت أن كل الأفكار المكبوتة، إنما هي تحت شعورية، وأن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة"، وهذا معناه أن الأشياء المكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا، بل إنه يشعر بها ولكنه يميل إلى تجاهلها خشية تطلعه على الحقيقة، وهكذا، فاللاشعور هو مجرد تجاهل وتهرب من الحقائق.
كما أننا نجد ادلر يوضح بأن اللاشعور لا يعود إلى الليبدوا، كما يعتقد سيغموند فرويد، بل يرجع إلى إحساس الفرد وشعوره بالقصور (نقص جسمي)، لأن المصاب بقصور جسمي (عضوي)، دائما ما يسعى إلى تعويض هذا النقص وتغطيته عن طريق الأعراض العصبية، وبالتالي، فلا أساس عملي علمي لفرضية اللاشعور، بل هي مجرد فكرة فلسفية لا أكثر ولا أقل.
نقد فكرة أن اللاشعور مجرد افتراض فلسفي
لا يمكن أن نجزم بأن اللشعور مجرد فكرة أو فرضية فلسفية، فقط لأنه لا يعود إلى الطاقة الجنسية الليبيدوا، لأنه كيف يمكن أن نفسر قدرته على فهم وتفسير نمو وتكون شخصية الإنسان، فضلا عن كشفه
تقنية للعلاج النفسي، وهكذا فلا يمكننا أن نلغي ما أثبتته التجارب
الاكلينيكية (العيادية)، وحتى من الوجهة التفسيرية: فنظرية فرويد فتحت باب النظر
العقلي إلى المشاكل الشخصية، وذلك من خلال دراسة الحياة الجنسية، كما صنعت مناهج
تحليلية بصورة معدلة قليلا أو كثيرا، عيادات إرشادات الأطفال، أضف إلى ذلك مجهودات فرويد التي أحدثت ثورة في فهم الأمراض العصابية
وعلاجها، فساعدت على توسيع فهم الحياة النفسية واضطراباتها ومستوياتها
المختلفة.
التركيب
يتبين مما سبق إذن، أن اللاشعور هو ذلك
المكان المظلم في الإنسان الذي تمكن سيغموند فرويد من اكتشافه، فهو يعتبر فرضية
علمية يمكن توظيفها في تفسير حياتنا النفسية من جهة، كتفسير العديد من أنواع السلوكات
الشاذة مثل السادية (التلذذ بإيلام الغير)، ومن علاج كثير من الأمراض النفسية، ثم من جهة أخرى، فعندما نربطه بالطاقة الجنسية الليبدوا التي اعتبرها
فرويد محرك الانسان، يكون مجرد فكرة فلسفية ليس إلا.
حل المشكلة
نستنتج مما سبق، أن نظرية اللاشعور تظل بوجه خاص في سياق التحليل النفسي، بمثابة اجتهاد أدى إلى
اكتشافات مضيئة وهامة حول النفس البشرية، ومعالجة كثير من اختلالاتها على مستوى
السلوك على الصعيد العيادي، فقد تمكنت هذه النظرية من تفسير نمو وتكون شخصية
الإنسان منذ طفولته، من خلال تحديد علاقة هذا المفهوم بمفاهيم أخرى، كالليبدوا
والكبت، ولكنه اجتهاد مع ذلك أقرب إلى الافتراض الفلسفي منه إلى النظرية العلمية.
نتمنى أن تكونوا قد وجدتم في هذه المقالة الفلسفية الجدلية الجاهزة ما تبحثون عنه، ونشير من جديد، إلى كون أن هذه المقالة هي خاصة بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، فهي تعالج مشكلة الشعور واللاشعور، خاصة عنصر قيمة اللاشعور بين الافتراض العلمي والفلسفي، وهي إجابة على سؤال، هلى اللاشعور فرضية علمية أم مجرد افتراض فلسفي.
اقرأ المزيد