"خدامين مع المخزن" لبنى الجود
في الزمن الذي اختلطت فيه المفاهيم، وصار كل شيء محل تأويل، لم تسلم حتى العبارات البسيطة من التشويه، كعبارة "خدامين مع المخزن"، التي طالما حملت دلالة على الانضباط والمسؤولية، وعلى الخدمة في إطار المؤسسات الشرعية للدولة، فأصبحت اليوم تُستخدم من طرف البعض كوسيلة للتهكم، وكأن الانتماء للدولة أصبح مدعاة للريبة أو الاتهام.
هذا التحريف لم يأت من فراغ، بل هو جزء من مسار أيديولوجي يسعى منذ سنوات إلى تسفيه كل ما هو مؤسساتي، وضرب ثقة المواطن في رموزه الوطنية.
الغريب أن من يهاجمون "المخزن" بدعوى محاربة الخضوع والطاعة، يمارسون بأنفسهم داخل تنظيماتهم وأحزابهم مستويات من الانغلاق والولاء الأعمى تفوق ما يتوهمونه لدى الدولة. فهل هناك أبلغ من نظام يقوم على البيعة التنظيمية والسمع والطاعة المطلقة، ليعكس قمة التناقض؟
ولكن المعركة لم تعد خطابية فقط، بل تطورت لتأخذ أشكالاً جديدة وخطيرة، تتخفى وراء واجهات إلكترونية ومشاريع ربح مشبوهة.
مؤخرًا، تلقى عدد من الشباب المغاربة رسائل عبر تطبيقات المراسلة من أرقام أجنبية، تدّعي تمثيل شركات وهمية تقدم "فرص عمل" مغرية.
العرض بسيط ظاهريًا: ربح مالي مقابل التفاعل مع فيديوهات على الإنترنت، لكن المضمون الحقيقي مختلف تمامًا، فالمطلوب في الواقع هو التفاعل مع محتوى يُحرض ضد الدولة، يُسيء إلى مؤسساتها، ويُروّج لروايات مغرضة تستهدف استقرار البلاد وصورتها. إنها عملية استدراج ممنهجة، تستغل هشاشة بعض الفئات، وتُحوّلهم إلى أدوات رقمية دون علمهم في حرب دعائية غير متكافئة.
شاهد أيضا
إننا أمام مشهد مقلق يتجلى في إختراق ناعم للوعي الجماعي، وتغذية للريبة والتشكيك تحت غطاء الربح السهل، والمفارقة أن من يتحدثون عن الحرية والاختيار، هم أنفسهم من يدفعون بالشباب إلى التفاعل مع محتوى يضرب جوهر الدولة.
لهذا، لا بد أن نعيد الاعتبار لعبارة "خدامين مع المخزن"، ليس لأنها تعني التبعية، بل لأنها تعني الالتزام بخدمة الوطن داخل مؤسساته، إذ أنه و في زمن التشويه والفوضى الرقمية، يصبح العمل داخل الدولة موقفًا وطنيًا بامتياز.
ليس العيب في خدمة الدولة، بل في خدمة خطاب يُدار من خارج الحدود، ويُباع لنا بأسماء مستعارة وأرقام غريبة.