سرطان الصحافة يكتب هذا الصباح.. وأنا ارد عليه بسيف الدستور
كتب وهو يعلم أنه لا يملك حجة واحدة للدفاع عن مشروع القانون الذي يُراد تمريره ضدا على مبدأ التنظيم الذاتي، وضدا على روح الفصل 28 من الدستور المغربي الذي ينص بوضوح لا لبس فيه: "تُحدث هيئة للتنظيم الذاتي للصحافة، تُنظم بطريقة ديمقراطية ومستقلة."
فهل مشروع القانون الذي تدافع عنه أنت ومن معك يُجسد هذه الديمقراطية؟ وهل تم احترام الاستقلال؟ أم أن المشروع وُضع على المقاس لخدمة فئة صغيرة من أصحاب المال والإشهار والنفوذ، لإقصاء الأصوات المستقلة وتكريس الهيمنة التجارية على ما تبقى من مهنة شريفة؟
إن السؤال الحقيقي الذي تهربون منه هو...
هل يوجد تضارب مصالح صارخ؟
وهل يحق لمن يمتلك مؤسسات إشهارية وناشرة أن يصوغ قوانين، ويشرف على التمثيلية، ويوزّع البطائق، ويتحكم في الولوج إلى المهنة، ويقرر من الصحافي ومن الدخيل؟
الفصل 36 من الدستور واضح:
"يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، واستغلال النفوذ، والمحسوبية، والزبونية، وجميع أشكال الفساد."
فمن يحاسب من؟ ومن يراقب من؟
أنت تتحدث بثقة، لكنك لا تخفي قلقك. والسبب بسيط أن مؤسسات الحكامة الدستورية قادمة..
قادمة بآرائها الاستشارية التي لا يمكن لأي سلطة أن تتجاهلها.
فالفصل 1 من الدستور يقرّ بأن النظام الدستوري للمملكة يقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأنتم، للأسف، تمارسون السلطة بلا محاسبة، وتتهربون من الشفافية، رغم أن الفصل 27 ينص على أن:
"للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام."
فهل قدمت اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر تقريرا عموميا عن عملها خلال السنتين؟
هل نُشرت خلاصات اجتماعاتها؟ تقاريرها المالية؟ تقييم أدائها؟
لماذا لم تُنشر؟
ولماذا لم تطالب بها أنت عبر مقالك؟
إن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بموجب القانون رقم 46.19، لها الحق في التحقيق في حالات سوء تدبير المال العام، وتضارب المصالح، وغياب الشفافية.
مجلس المنافسة، بموجب القانون رقم 20.13، من اختصاصه إصدار رأي حول كل ما من شأنه الإخلال بحرية السوق والتنافسية، بما فيها قوانين تمنح الأفضلية لمقاولات محددة بناء على رقم المعاملات وعدد العاملين.
مؤسسة الوسيط، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي رقم 14.07، لها صلاحية تلقي تظلمات المرتفقين أمام الإدارة، خصوصا في حالات الشطط، التمييز، وتغييب العدالة الإدارية.
أليس في تمرير هذا المشروع إقصاء لمنابر وشركات إعلامية وجرائد جهوية ومواقع مستقلة؟
أليس ذلك شططا وخرقا لمبدأ المساواة أمام القانون؟
ثم نأتي إلى السؤال الذي تحاول طمسه كل مرة:
أنت رئيس الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، فقل لنا..
من أين تموّلون هذه الجمعية "الناشئة"؟
هل تتلقون دعما من الشركات التي تتحدث باسمها؟ هل من الدولة؟ هل من المال الإشهاري؟
الفصل 31 من الدستور يُلزم السلطات بتكافؤ الفرص في الاستفادة من الموارد العمومية.
فهل يتم توزيع الدعم العمومي على أساس التعددية؟ أم على أساس الولاء والامتيازات؟
ثم تأتي لتمنح نفسك صلاحية تمثيل المهنيين، وتهاجم من يرفض هذا المسار الفاسد، وكأنك وصيّ على الصحافة ومستقبلها.
نقولها لك: لسنا بحاجة إلى ترخيص منكم، ولا من لوبي المال، ولا من أصحاب الأبواق.
الصحافي الشريف يُمنح الشرعية من الرأي العام، من الجمهور، من القارئ، لا من لجنة مؤقتة ولا من جمعية فُصلت قوانينها حسب المقاس.
إننا نطالب اليوم، علنا، بتفعيل آليات الحكامة والرقابة الدستورية، وتقديم تقارير مفصلة عن تسيير المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته ، وعن أداء اللجنة المؤقتة، وعن وضعية التعددية في قطاع الصحافة،
وإن استمر التجاهل والعبث، فسنلجأ إلى الفصل 42 من الدستور، الذي يُخول للمؤسسة الملكية صلاحية التحكيم وضمان احترام المؤسسات للدستور وتوازن السلطات.
فالشرعية التي لا تُبنى على الدستور، تسقط أمام أول سؤال من الشعب: من أنتم؟ ومن خوّلكم الحديث باسمنا؟
العميد حسن المولوع