هل النسيان ظاهرة سلبية؟ أحسن مقالة فلسفية جدلية جاهزة
![]() |
مقالة فلسفية جاهزة حول قيمة النسيان |
نقدم لكم هنا أفضل مقالة فلسفية جدلية جاهزة، حول قيمة النسيان، من مشكلة الذاكرة والخيال، وهي خاصة بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، فهذه المقالة الفلسفية هي جواب على السؤال التالي: هل النسيان ظاهرة سلبية؟ وقد حاولنا الاجابة عليه بالطريقة الجدلية، حيث قمنا بطرح المشكلة في مقدمة المقالة، فتعرفنا على ظاهرة النسيان بين السلبي والايجابي، ثم بعدها حاولنا الوصول إلى حل للمشكلة من خلال تقديم منطق الأطروحة الذي نؤكد من خلاله على سلبية ظاهرة النسيان، وقمنا بعدها بتقديم نقد لهذه الأطروحة، ثم عرضنا نقيض الأطروحة الذي تطرقنا فيه للجانب الإيجابي للنسيان، ثم انتقدنا فكرة أن تكون ظاهرة النسيان ظاهرة إيجابية، ثم وصلنا إلى التركيب وطرحنا الرأي الشخصي وبعدها حل للمشكلة المتعلة بقيمة النسيان بين الإيجابي والسلبي.
محتويات الموضوع
- ظاهرة النسيان بين السلبي والإيجابي (طرح المشكلة).
- النسيان ظاهرة سلبية (منطق الأطروحة).
- نقدة فكرة أن النسيان ظاهرة سلبية.
- النسيان ظاهرة إيجابية (نقيض الأطروحة).
- نقد فكرة أن النسيان ظاهرة إيجابية.
- تركيب.
- الراي الشخصي.
- حل المشكلة.
ظاهرة النسيان بين السلبي والإيجابي (طرح المشكلة)
يتميز الانسان عن باقي الكائنات الأخرى بمجموعة من الملكات الذهنية التي تساعد على تحصيل المعرفة وتحقيق
التكيف مع المحيط الخارجي، وتعتبر الذاكرة أحد هذه الملكات الذهنية، فهي التي تقوم بحفظ
صور الوقائع الماضية واسترجاعها في الحاضر مع الوعي بها من حيث هي وقائع ماضية، لكن الملاحظ هو أن الإنسان عندما يكون في حاجة ماسة إلى خبراته وتجاربه السابقة يفشل في استحضارها، ذلك ما يسمى بظاهرة بالنسيان، على اعتباره عجز مؤقت أو دائم في استرجاع الذكريات، وقد احتل البحث في أثر النسيان على سلوك الانسان مكانة مرموقة في نقاشات المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس، مما يعني أن ظاهرة النسيان من أهم المشكلات الفلسفية، وقد نتج عن ذلك اختلاف فوتباين في التصورات والمواقف، فمنهم من يعتقد بأن
النسيان ظاهرة سلبية، ومنهم من يعتقد بأنه ظاهرة ايجابية، وهذا التباين هو الذي يمنح مشروعية للتساؤلات الآتية: ما حقيقة النسيان؟ هل هو نشاط يعيق وظائف الذاكرة ويفضي إلى عدم التكيف
أم هو شرط من شروط توازنها وعامل من عوامل استقامتها؟.
النسيان ظاهرة سلبية (منطق الأطروحة)
إن النسيان هو عبارة عن ظاهرة سلبية، يعيق التكيف مع المحيط، ولا يسمح بتحقيق التوازن في الحياة، وهو ما يدافع عليه العديد من الفلاسفة وعلماء النفس، وعلى رأسهم تيودول ريبو والنمساوي سيغموند فرويد، ففي نظرهم يمثل النسيان عامل من العوامل المفضية إلى الفشل والإخفاق في الحياة، فهو نشاط معيق لوظائف الذاكرة ومثبط لفعالية الانسان، وقد اعتمدوا في دفاعهم عن هذا الرأي على مجموعة من الحجج والبراهين، بذكر منها الآتي:
إن التأمل في مظاهر النسيان يكشف بأن له آثار سلبية في مختلف النواحي، فمن الناحية الاجتماعية يمثل النسيان عامل من العوامل التي تؤدي إلى محو الروابط الاجتماعية بين الأفراد، بحيث يعمل على تفكيكها وإضعافها، كما أنه يفقد الأمة قيمها ويبعدها عن أصالتها.
كما تظهر سلبيات النسيان أيضا من الناحية الذهنية، فهو مظهر من مظاهر الإخفاق في الحياة العلمية، لأنه يعيق عملية تحصيل المعرفة
واكتساب العلوم، فإذا كان الانسان يتكيف مع
حاضره بمختلف ما حفظه من معارف وعلوم وتجارب اعتمادا على ذاكرته، فالنسيان يعمل
مناقضا لها، ويعيق التلائم والتكيف مع المواقف الحاضرة، فالطالب يوم الامتحان يكون
في حاجة ماسة إلى استرجاع ما تعلمه، لكنه يفشل في الاستحضار بسبب النسيان، وهذا يؤدي إلى الإخفاق، وذلك ما تبرره مظاهر الرسوب في الامتحانات
والمسابقات، وهكذا، فالنسيان يقف أمام تحصيل واكتساب المعرفة، وقد قيل في هذا
الصدد: "إن آفة العلم النسيان".
وللنسيان تجلياته كذلك حتى من الناحية
النفسية، فهو يهدم شخصية الفرد ويهدد وحدتها، لأنه يؤدي إلى زوال الذكريات، وقد أثبت ذلك بعض الأطباء وعلماء النفس من خلال ما يسمى بأمراض الذاكرة، كالأمنيزيا، والأفازيا، والأبراكسيا، والبرامنيزيا، والإيبرأمنيزيا:
أما في مرض الإيبرامنيزيا والتي تسمى بفرط التذكر يتم فيها استدعاء الذكريات بجزئياتها وتفاصيلها من الماضي القريب والبعيد، لتبقى هذه الصور في الذاكرة الراهنة، لذلك يعرف هذا المرض بتضخم الذاكرة، وهذا شائع خاصة عند المتقدمين في السن. أما مرض الأمنيزيا هو عبارة عن فقدان الذاكرة، فالمصاب بهذا المرض يفقد ذكرياته بصفة كلية
أو جزئية، ففي الفقدان الكلي للذاكرة يفقد المرء كل ذكرياته نتيجة مرض أو حادث، مما
يؤدي إلى تغير تام في الشخصية كلها، أما الفقدان الجزئي للذاكرة فله صورتين: الصورة الأولى هي فقدان القدرة على تثبيت الذكريات الحديثة، مع الاحتفاظ بالقدرة على استرجاع
الذكريات القديمة، والثانية هي فقدان القدرة على استحضار الذكريات الماضية.
ثم إن مرض البرامنيزيا وتسمى أيضا التذكير الوهمي وفيه يبدو المريض أن كل ما يراه في الحاضر سبق له أن رآه في الماضي، وهناك من يطلق على هذا بظاهرة الديجافو. كما أن في مرض الأبراكسيا فيحدث لدى المصاب اختلال في الوظائف الحركية، بحيث يكون المصاب عاجزا عن أداء حركات كان يجيدها من قبل. وأخيرا فمرض الأفازيا المصاب بهذ المرض يدرك الأشياء في الحاضر لكن سرعان ما ينساها.
بالإضافة إلى ذلك هناك أمراض أخرى منها: مرض انحراف الذاكرة والذي يسمى بمرض الذاكرة الكاذبة، وينشأ عن فشل في التعرف على الأشياء حيث يسترجع المريض صور وخبرات خاطئة ومحرفة ومشوهة دون وعي منه أنها كذبت، ثم مرض صعوبة التذكر ويحدث لدى المصاب بعجز في تثبيت الذكريات بسبب مرض يصيب الجملة العصبية، وقد يكون مؤقتا أحيانا، كالمصاب بالحمى الشديدة مثلا، وقد يكون شبه دائم كما هو الأمر مع المتقدمين في السن.
ففي كل هذه الأمراض
يفقد الفرد القدرة على التكيف المطلوب، وتلحق بالمصاب أضرارا تمس وحدة توازنه، فيختل
نشاطها، وتفكك وحدة الأنا، لذلك نجد ريبو يؤكد على أن النسيان في هذه الحالات يحدث بسبب المرض
الذي يخرب الخلايا الدماغية ومختلف آثار الذكريات، وهذا يؤدي في النهاية إلى
الاختلاف وعدم التوازن في الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أكد الطبيب وعالم النفس النمساوي سيغموند فرويد على أن النسيان هو كبت للذكريات المؤلمة، وهو حالة لاشعورية تعبر عن
الهروب من الواقع الذي نعجز عن مواجهته، فالذاكرة تعني التنظيم، أما النسيان فيعني
وقوع الأنا فريسة للفوضى.
نقد فكرة أن النسيان ظاهرة سلبية
انطلاقا مما سبق، يتبين بأنه لا يمكن أن ننكر بأن هناك مظاهر سلبية للنسيان، لا يمكن تجاهل خطورتها، إلا أن هذا لا يبرر أن
النسيان حالة مرضية، ولا يمكن اعتباره عائق دائم أمام التكيف، فالواقع يثبت أن بعض حالات النسيان لابد
منها، بل هي ضرورية لتوازنه وتحقيق تكيفه في الحياة، فقد يحصل أن ننسى بعض الذكريات
لعدم حاجتنا إليها دون كبت أو إصابة دماغية، كتجاوز الأحزان مثلا والذكريات المؤلمة
والمخجلة، فهذا أمر إيجابي يساعد الذاتعلى التكيف وتحقيق التوازن في الحياة.
النسيان ظاهرة إيجابية (منطق الأطروحة)
على خلاف التصور السابق، فإن النسيان هو ظاهرة إيجابة تساعد على التكيف مع الواقع، وتمكن من تحقيق التوازن في الحياة،وهو ما يدافع عليه العديد من الفلاسفة وعلماء النفس وعلى رأسهم الفرنسي هنري برغسون والألماني فريدريك نيتشه وجورج غوسدورف، فالنسان في اعتقادهم هو عامل من العوامل المفضية إلى النجاح في الحياة، فهو نشاط مساعد لوظائف الذاكرة ومنشط لفعالية الانسان، وللدفاع عن موقفهم استعان هؤلاء بمجموعة من الحجج نذكر منها:
يعتبر النسيان شرط من شروط استمرار حياة الانسان، ويقول جورج غوسدورف في ذلك: "النسيان شرط لاستمرار الوجود"، وقد شبه ضرورة النسيان، بضرورة الضوء والظلام للكائنات العضوية، وضرورة النوم بالنسبة للانسان، إذ أن الإنسان الذي لا يريد أن يرى سوى ما هو ماضي، كالذي يرغم على التخلي عن النوم، وهكذا يمكن لنا أن نعيش بدون ذكريات، لكن يستحيل أن نعيش بدون نسيان، وبالتالي فالنسيان إيجابي ومفيد للذاكرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استقراء مظاهر النسيان يكشف بأن له آثار إيجابية في مختلف النواحي، فمن الناحية النفسة يرى هنري برغسون، أن النسيان حالة طبيعية مادام الشعور هو مخزن الذكريات، فنحن نسترجعها في حالة شعورية، وننساه من ذكريات، ماهو إلا غياب لرغبة الشعور في تذكره، وبالتالي فهو الذي يفتح المجال لتجديد الذكريات، بحيث يقول دولاي في ذلك: "نحن نتذكر لأننا ننسى"، ويقول كذلك، "إن الذاكرة التي لا يساندها النسيان، تضر الانسان بدل أن تنفعه".
وتتجلى كذلك إيجابيات النسيان في الناحية الاجتماعية، بحيث يساهم في إعادة بناء العلاقات الإجتماعية بين الأفراد والشعوب، لأنه يتم نسيان الأحقاد والصراعات، لذلك يقال"النسيان يمحي آثار الحقد ووطأة الألم بين الشعوب"، ويحكى أن إحدى القبائل المنغولية تحرم على أفرادها ذكر أسماء الموتى، وذلك من أجل نسيان الأحقاد، لأن النسيان يمنح الأعداء الفرصة ليكونوا أصدقاء من جديد، ويجعل من الألام مجرد محطات كان من الضروري الوقوف عندها في يوم مضى، فلولا النسيان لاختفت الصداقة وسيطر الحقد، ولولاه لبقي الإنسان سجينا في الماضي، ولقد عبر الفيلسوف الألماني نيتشه على ذلك بقوله: "لا لذة في الحاضر بدون النسيان"، فالانسان الذي لا يريد أن يرى سوى ما هو ماض، كالذي يرغم على التخلي عن النوم أو كمثل الحيوان الذي يجتر من دون نهاية، ويضيف قائلا "أن النسيان هو تعبير عن الصحة الجيدة، فالشخصية الحقيقية تمسح الطاولة لتفسح المجال لوجبة جديدة".
كما له مظاهر من الناحية
الذهنية، فالنسيان يفتح الباب أمام الأفكار والمعارف الجديدة، لتجد لها مكانها في
الذاكرة، ولو كانت الذاكرة قوية لما وجد الانسان مكانا لتخزين المعلومات الجديدة، فالنسيان شرط من شروط سلامة الذاكرة، لأن الذاكرة لا يمكنها أن
تحتفظ بكل دقائق الأمور، ولولا النسيان لما تقدمنا خطوة واحدة في تحصيل المعرفة، وفي
هذا يقول روبير توكي: "إن الذاكرة الأخاذة والحفاظة يمكنها أن تشكل عائقا
للتطور العالي للفكر بسبب التراكم الذي تحدثه"، ونفس الطرح نجده عند دوغاس الذي يؤكد على أن النسيان ليس نفسيا أو نقيضا للذاكرة بل هو شرط من شروط سلامتها، وهكذا فالنسيان له طابع إيجابي.
نقد فكرة أن النسيان ظاهرة إيجابية
رغم الطابع الإيجابي للنسيان، فلا ينبغي اعتباره وظيفة إيجابية دائما، فالكثير من الأفراد يعانون من النسيان، ويمثل لهم مشكلا كبيرا، خاصة حينما يكونوا في حاجة ماسة إلى بعض الخبرات والتجارب الماضية، وهكذا يكون النسيان
عدوا لصاحبه، فتوصف الذاكرة حينها بالخائنة، لأنها لم تسعفه في الوقت المناسب بما يريد تذكره، كالمريض بالزهايمر مثلا، والذي من أهم أعراضه فقدان الذاكرة، ثم الصعوبة في التذكر
وعدم القدرة على اكتساب معلومات جديدة.
التركيب
يتبين مما سبق، أن النسيان لا
يكون دوما سلبيا ومعيقا لصاحبه، بل قد يكون حالة إيجابية للتكيف مع
العالم الخارجي، وتجاوز الأمور الثانوي الغير المهمة، التي كانت عائقا اما التكيف وتحقيق التوازن في الحياة.
الرأي الشخصي
وفي اعتقادي الشخصي، أن النسيان حالة عادية وليس مرضا، وما يبرر ذلك هو موقف عالم النفس
الفرنسي هنري برغسون، الذي اعتبر النسيان حالة طبيعية يعيشها الفرد، بحيث لا يتذكر من
الماضي إلا ما كانت له علاقة بالواقع الذي يعيش فيه، فالإنسان لا يلتفت إلى الماضي
إلا لحاجته للتكيف، فقد حاول برغسون إثبات أن الحوادث السابقة لا تمحى، وأن الذكريات المنسية لا تتلف أبدا، إضافة إلى أن للنسيان فائدة كبيرة في تجاوز الذكريات الحزينة، ولهذا يقول الكاتب
الفرنسي شامفور: "يجب أن نعيش حياتنا يوما بيوم وننسى كثيرا".
حل المشكلة
وبالتالي نستنتج مما سبق، أن النسيان المرضي مهما كانت أسبابه وطبيعته، فهو يعتبر ظاهرة سلبية معيقة لنشاط
الفرد وفاعليته، وهو على النقيض من النسيان الطبيعي العادي الذي تقتضيه الحياة
اليومية، وما يتخللها من أعمال ومشاكل، فلا نستطيع أن نتعلم شيئا جديدا إلا إذا
نسينا مؤقتا تجاربنا وذكرياتنا الماضية، ولولا هذا النوع من النسيان لما استطاع
الانسان أن يتكيف مع المواقف الجديدة أو الطارئة، ويقول الباحث الفرنسي المعاصر جورج
غوسدورف في هذا الصدد في كتابه الذاكرة والشخص: "النسيان شرط لاستمرار الوجود".
نتمنى عزيزاتي التلميذات أعزائي التلاميذ، أن تكون هذه المقالة الفلسفية قد نالت إعجابكم، وقد وجدتم بها ما تبحثون عنه، ونذكركم بأن هذه المقالة الفلسفية الجاهزة هي خاصة بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، وأنها إجابة عن سؤال هل النسيان ظاهرة سلبية؟ وهو سؤال يتعلق بعنصر قيمة النسيان من مشكلة الذاكرة والخيال.
اقرأ المزيد